30 مايو 2011

اللاجئين الفلسطينيين في تأريخ د. سليمان أبو ستة


المقدمة:
        إن أكثر المشاكل تعقيدا في القضية الفلسطينية تتعلق باللاجئين، إذ يختلف بها الكثير من المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين في جهودهم لإحلال السلام. وما دفعني لاختيار هذا الموضوع، أن هناك الكثير من النقاط المختلف عليها في هذه القضية. وأهم التساؤلات التي ساورتني عن هذه القضية، إن كان اللاجئين قد غادروا بمحض إرادتهم، أم فعلوا ذلك خوفاً من العصابات الصهيونية، أو حتى بإيحاء من الدول العربية. وأيضًا إن كان هؤلاء اللاجئين قد فقدوا حقهم في الوطن أم لا؟ أما التساؤل الأكثر جدلا، ما هو عدد اللاجئين؟  وترى هل يحق للإسرائيليين أن يطردوا السكان العرب، كما هو حال اليهود سكان الدول العربية؟ وهل تأريخ العرب للقضية الفلسطينية له بعد سياسي؟ وإن كانت رواية المؤرخ الفلسطيني "سليمان أبو ستة" تناسب حجم قضية اللاجئين؟
      وقد قسمت البحث لجزأين، الأول يتعلق بإشكاليات التأريخ في قضية اللاجئين، والثاني يتعلق بالمؤرخ[سليمان أبو ستة] من حيث طرحه للقضية وطريقة تأريخه. وحاولت جاهداً أن ألم بجميع جوانب القضية المعضلة بالرغم من شح المصادر التي تتعلق بالرواية الأخرى عن القضية الفلسطينية. وحاولت جاهداً أن أكون موضوعيا، لأتغلب على الطابع العاطفي كوني فلسطيني متعاطف جداً مع قضية اللاجئين. ويجب الإشارة إلى أنني قصدت استخدام لفظ "لجوء" و "نزوح" و "هجرة" كناية عن موضوعية البحث، مع أنني أأمن بلفظ "تهجير" بشكل أكبر.

الأهداف:
إني من خلال هذا البحث أو التقرير أهدف إلى التالي:
-         تطبيق ما تعلمت في مساق "مدخل إلى علم التاريخ".
-         الإطلاع على رواية أخرى لقضية اللاجئين.
-         الإجابة عن التساؤلات التي وردت في المقدمة.
-         المحاولة لتسليط الضوء على أهمية قضية اللاجئين.
-         الدعوة إلى التأريخ الجديد لقضيتنا الفلسطينية.



القسم الأول
أهم إشكاليات التأريخ في قضية اللاجئين
    سبب اللجوء: تختلف الروايات العربية في بينها، والعربية مع الإسرائيلية حول السبب الذي أدى لولادة معضلة اللاجئين -مع أن البحث لحل النتائج أهم بكثير-، وفيما يلي أوردت أكثر من رواية متناقضة ولن أعط سببًا ولو كان واحدًا لولادة هذه المشكلة، بل سأدع للقارئ حرية التفكر في الأسباب حتى إن كانت من وجهة نظر إسرائيلية.
رواية المؤرخ الفلسطيني سليمان أبو ستة:
     عدد المؤرخ الأسباب (أبو ستة، حق العودة، ص13) التي حصرها بالتالي: طرد واعتداء بواسطة قوات يهودية على الفلسطينيين العزل في القرى العربية ما نسبتهم 24.55%، خوف القرويين من هجوم يهودي في المعارك أو قبلها من خلال الحملات التي كانت الهاغاناة تشنها لترهيب السكان من خلال الحرب النفسية بنسبة 7.65%، تأثر السكان بسقوط قرى مجاورة ما نسبتهم 10.06%، والرحيل بأوامر عربية [منعا لسقوط ضحايا بصفوف الأطفال والنساء والشيوخ] والذين كانوا بنسبة 1.01%. ويمكن ملاحظة أن إجمالي النازحين بنسبة 89% قد نزحوا نتيجة  عامل عسكري، و10% نزحوا إثر الحرب النفسية.
رواية المؤرخ الإسرائيلي بني موريس:
     رجح بني موريس سبب ولادة المشكلة للأسباب الآتية: دخول القوات العربية النظامية إلى فلسطين بعد 15 أيار 1948، الهجمات الانتقامية التي كانت تقوم بها قوات الهاغاناة و ايتسل، خوف العرب من زحف عدوان القوات اليهودية إليها، خطة فايتس للتخلص من الفلاحين العرب (موريس، طرد الفلسطينيين، ص69) بالمشاورة مع موظفين من الصندوق القومي اليهودي، أسلوب الإقناع الذي كان يقوم به بعض الضباط اليهود بمغادرة القرى لاتقاء غضب اليهود إثر عمليات هجوم العرب على كيبوتسات اليهود، التشويش وضعف استجابة الحكومات العربية في تنسيق استقبال اللاجئين مثل قرار اللجنة السياسية التابعة لجامعة الدول العربية واللجنة العربية العليا لتسهيل دخول الفلسطينيين [شيوخ ونساء وأطفال] إلى أراضي الدول العربية المجاورة [أي أنها لم تضع عراقيل بل سهلت الهجرة]، فشل المؤسسات العربية في فلسطين في منع الهجرة على نطاق واسع، هجرة العرب عن طريق أوامر القادة العرب [إيحاءات] ، وأخيرا لجوء بسبب أوامر من رئيس العائلة أو المختار.
     اتفق المؤرخان أن عملية اللجوء تمت بموجب عمليات عسكرية منظمة، وأنها ليست قضية عارضة نتيجة للحرب، نتيجة لعدوان يهودي على القرى والتجمعات السكانية للعرب بقصد نشر تخويف سكان القرى المجاورة.وأن كلا الطرفين ربط مسؤولية حل مشكلة اللاجئين بالجانب الآخر [الفلسطيني والإسرائيلي] وعلى ذلك فإن الطرف الآخر عليه أن يتحمل الثمن لحل هذه المشكلة. بغض النظر عن محاولة بني موريس لتبرير ما قام به الصهاينة.
     ومن أكثر الأسباب التي –حسب رأيي- اختلفا فيها، هو ذاك السبب القاضي بلجوء السكان العرب نتيجة لدخول القوات العربية النظامية إلى فلسطين في 1948. حيث ذكر المؤرخ الفلسطيني سليمان أبو ستة أن هذه مزاعم إسرائيلية لتضع الجانب الإسرائيلي في خانة المدافع عن النفس مما أعطاها شرعية لاحتلال المزيد من الأراضي وفند ذلك في أن إسرائيل خططت لهذه العملية منذ زمن بعيد وكان آخر تعديل على ذلك في خطة دالت أواخر أبريل 1948 أي أن اللجوء قد بدء قبل دخول القوات النظامية العربية وكان دخولها ما هو إلا نتيجة للجوء السكان الفلسطينيين لأراضي الدول العربية المجاورة. في حين أن المؤرخ الإسرائيلي بني موريس بيّن أن دخول القوات النظامية العربية ما هو إلا سبب لما وصفه بطرد الفلسطينيين، أي أن اللجوء ما كان إلا نتيجة لدخول هذه القوات التي أجبرت جيش الهاغاناة لإخلاء هذه القرى ونشر الرعب في قلوب فلسطينيي القرى المجاورة.
عدد اللاجئين: إن أكثر التعقيدات في هذه المشكلة هو عدد اللاجئين الفلسطينيين، ففي تحديد عددهم يكون هناك أمل أكبر لرؤية حل لعودتهم، أي أن المصير لإيجاد حل لقضية اللاجئين مرتبط بتحديد عددهم. بالإضافة لكونها إحدى نقاط الخلاف بين العرب وإسرائيل.
     حدد المؤرخ سليمان أبو ستة عدد اللاجئين بـ 6,569,000 لاجئ (أبو ستة، حق العودة، ص32) وهو الرقم الذي يختلف مع تحديده الناطقين العرب منذ 1949 بـ 900,000 – 1,000,000 لاجئ، أما وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة فقدرت عددهم بـ 800,000 لاجئ. العدد الذي وصفه الإسرائيليين بأنه مبالغ فيه، وأن العدد يشمل عدم تسجيل اللاجئين للوفيات بغرض الحصول على عدد أكبر من حصص الإغاثة ويشمل فقراء غير فلسطينيين سجلوا أنفسهم لعدم مقدرتهم على مواجهة معاناتهم. لكن الجانب الإسرائيلي من مصلحته تقليل عددهم لأنه قد يواجه مشكلة في إقناع العالم بأن هؤلاء اللاجئين جميعا كانوا يعيشون داخل المناطق الإسرائيلية. وقد حدده الإسرائيليون بـ 520,000 لاجئ (موريس، طرد الفلسطينيين، ص273).
     لكن برأيي أن قضية اللاجئين ليست قضية عدد بغض النظر عن أهمية تحديد عددهم فإن قضيتهم هي قضية عودة بالأساس. فإن كان لليهود في شتى أنحاء العالم الحق في الهجرة لما يسمى "أرض الميعاد" فلماذا لا يحق للفلسطينيين المهجرين بالعودة؟ أليست فلسطين أرضهم التاريخية؟
عودة اللاجئين:  إن أشد ما يؤلم صدى صوت اللاجئين في الخارج بلا استجابة، فأوضاع اللاجئين بالخارج تصل حد العدم سواء ضغوط الدول العربية عليهم أو ظروف الحياة الصعبة التي تواجههم، مع أن وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة تسهم إلى حد بسيط في تحسين أوضاعهم. بالرغم من الجهود الدولية لحل مشكلتهم منذ 1949 إلا أن هذه الجهود تفيء بالفشل في كل مرة نظرا لرفض الحكومة الإسرائيلية لعودتهم
*¹: يشار إلى أن الأرقام قد ازدادت على مدار السنين الماضية.
متذرعين بعدد العائدين منهم وأماكن استيعابهم، بالإضافة لرفض اللاجئين أنفسهم بالعودة إلى غير بيوتهم أو العودة لدولة إسرائيلية.
     بالرؤية الفلسطينية حق العودة مقدس دون قيد أو شرط. في ظل المحادثات الأولى في مؤتمر لوزان أيلول 1949 صدر قرار باعتراف دولي يحمل الرقم 194 (ج) ويشير إلى السماح للاجئين الراغبين بالعودة إلى بيوتهم شريطة العيش بسلام مع جيرانهم في أسرع وقت وحسبما تسمح به الظروف، إلا أن العودة لحكم يهودي أمر صعب عند اللاجئين وقد عارضوا ذلك، وكان من أكبر المعارضين الحاج أمين الحسيني. إن معارضة هذا القرار أدى إلى تفويت فرصة لن تتكرر بالتاريخ للاجئين، وإن تفويت فرصة كهذه خسارة كبيرة بالرغم من سلبيات الوضع عند العودة، وإن كسب شيء واحد أفضل من خسارة الكل.
     يرى المؤرخ سليمان أبو ستة أن حق العودة قانوني وممكن بخطوات آنية في يوم وليلة، على عكس المؤرخ الإسرائيلي بني موريس الذي تتبع خطوات ملموسة لحل مشكلة اللاجئين. حيث فرض المؤرخ سليمان أبو ستة أن حل مشكلة اللاجئين تكون إما بالعودة والتعويض عما خسره اللاجئين خلال أعوام غيابهم، وتعويض من لا يرغبون بالعودة. أما بني موريس فقد بيّن موقف إسرائيل من عودة اللاجئين ولم يعط خطوات افتراضية نتيجة لتعقيد المشكلة وطول أمد وجود حل لها.

     وفي نهاية البحث في هذه القضية، أحب أن أنوه القارئ إلى أن المهم أن نجد حلولا لمشكلة هؤلاء اللاجئين لا أن نبحث في أسباب نزوحهم، مع عدم إغفال أهمية الأسباب في إيجاد الحلول الملائمة.



القسم الثاني
رؤية قي تأريخ "سليمان أبو ستة " لقضية اللاجئين
     لا يستطيع أحد أن ينكر فضل المؤرخين الفلسطينيين كوليد الخالدي وعارف العارف وشريف كناعنة وروزماري صايغ وسليمان أبو ستة في دعم قضيتنا بكل وسائل البحث والمعلومات التي تخدم القضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية اللاجئين بشكل خاص. ولكن إن نعيب رواية أحد منهم أو نصفها بالنقص إنما هي محاولة للتغلب على النواقص والعيوب وهو أيضا محاولة للتقدم بطريقة تأريخنا للقضية وخدمتها. ومن هذا المنطلق سأقدم بعض من نواقص رواية المؤرخ الفلسطيني سليمان أبو ستة لعلها تخدم التأريخ الجديد للقضية الفلسطينية في المستقبل.
     بدأ المؤرخ سليمان أبو ستة روايته بتسليط الضوء على نقص السجل العربي والفلسطيني من المذكرات والأوراق الثبوتية، وقد عدّ ذلك سببا من أسباب الهزيمة أمام الإسرائيليين. لكنه نسي شيء مهم، هو أن سجلنا العربي والفلسطيني خال أيضا من ما يسمى "الرواية الأخرى" أو الرواية المتناقضة، أو وجهة النظر الأخرى، فاقتصر في صفحاته الأولى بأن يخترق عقل القارئ بكلمات الإقناع ذات الفعالية الكبيرة "مزاعم" و "زعموا" دون ذكر المصدر أساساً -أشخاصا كانوا أم وثائق- وأخذ يقنع القارئ دون اللجوء حتى إلى الموضوعية في تفنيد "المزاعم" حسب تعبيره. ولعل أكثر ما يميز كتاب "حق العودة" للدكتور سليمان أبو ستة اعتماده على إحصائيات وأرقام إسرائيلية وعربية وعالمية، بالرغم من عدم وجود مصدر موثوق لهذه الإحصائيات. وغاب عن ذهنه أيضا الإشارة إلى أن الهجرة واللجوء كانت قد سبقت عام 1948 لكن بأعداد قليلة، حتى أن هذا الجزء غاب أيضا عن إحصائياته الدقيقة.
     وعلى ما يبدو أن المؤرخ قد خلط بين موقفه الشخصي ومزج عواطفه بالبحث في هذه القضية، فقدم بحثا مليء بالأرقام والرأي الشخصي. فأطلق لنفسه العنان أحيانا بوصف العمليات العسكرية بالجرائم، والعدوان، والمذبحة... دون الإشارة أو حتى إقناع القارئ بمعنى هذه الكلمات بالرغم من وجود بعض المحاولات لإثبات معانيها.
     واعتمد د.سليمان أبو ستة على أسباب غيره من المؤرخين متأثراً ببني موريس و الخالدي ولم يذكر الأسباب كلها التي أشار إليها موريس، مع أنه أشار إلى أن موريس صنف هذه الأسباب. فلم يشمل جميع أسباب اللجوء والنزوح، واقتصر على أسباب عامة. وقد تجنب الكاتب الخوض في سبب "الرحيل بأوامر عربية" ولم يشر إليها إلا عن طريق الإحصائيات.
     أشد ما لفت انتباهي هذه العبارة "هل صحيح أن داود الصغير يدافع عن حياته أمام جولياث الجبار؟ وأن مكاسبه تكون بذلك حقاً مشروعا له؟ وها كانت إسرائيل تدافع عن نفسها، أم تحتل أرضاً فلسطينية".إن اعتماده على أسطورة في إثبات مسؤولية إسرائيل في احتلال الأرض الفلسطينية ما هو إلا بمثابة الخوض في العبث، فأين المنهج العملي الذي اعتمد عليه؟ وقد استغربت كيف له أن يتبع المنهج العلمي المثبت بإحصائيات وأرقام ويضم فيه أسطورة؟
الخاتمة

إن قضية اللاجئين هي أهم محاور التأريخ في القضية الفلسطينية إذ تشكل اللب الأساسي في النزاع العربي الإسرائيلي على المدى الواسع. وقد تساءلت في المقدمة إن فقد اللاجئين حقهم في العودة، فلاحظت أن حقهم بالعودة يشتد إصرار عام بعد عام، على الرغم من معارضة الأطراف السياسية لذلك. أما عن مسألة اليهود في الدول العربية، فإن العرب لم يطردوهم كما فعل الإسرائيليين ولا يحق لهم ذلك. وإن كانتا قضيتان منفصلتان، فإن ارتباطهم وثيق بما فعل الإسرائيليين ما فعلوا باللاجئين.
وأما على صعيد التأريخ لقضيتنا، فإني من خلال البحث قد حاولت أن أبين أن تأريخ مؤرخينا يحتاج لتأريخ جديد، واع وناضج ليستطيع تحميل الجانب الإسرائيلي المسؤولية عما يحدث يوميا من معاناة للأفراد الفلسطينيين.
وفي نهاية ما قدمته من خلال البحث، أتمنى أن أكون قد أجبت على التساؤلات التي أوجدتها، أو التي قد تخطر في بال القارئ. وأن أكون قد استوفيت جميع جوانب الموضوع. وأن أكون قد قدمت شيئا مفيداً للجميع.



المراجع والمصادر:

أبو ستة، سليمان. حق العودة. غزة: المركز القومي للدراسات والتوثيق، 1999.
_________. حق العودة مقدس وقانوني وممكن. ط1. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001.
كناعنة، شريف. الشتات الفلسطيني: هجرة أم تهجير؟. رام الله: مطبعة أبو غوش، 2000.
موريس، بني. طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين. ط1. عمّان: دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية، 1993.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقك هنا