30 مايو 2011

مصطلحات تاريخية مهمة


الهيستوريسيزم Historicism

        هي النزعة التاريخية أو ما يطلق عليها أحياناً بالخاصية التاريخية. وتتلخص في الرأي بأن جوهر المجتمع والثقافة يتميز بالاتجاه الدينامي، وبأن جميع أشكال الحياة الاجتماعية متعلقة أساساً بمجال التاريخ الذي يتغلغل في جميع الأعمال.
        ويرى K.R.popper   أن النزعة التاريخية هي محاولة إدراج جميع العلوم الاجتماعية تحت علم التاريخ وجعل الهدف الأساسي لها التنبؤ بالمستقبل من خلال تأكيد قوانين تاريخية عالمية.
        وهو اتجاه يرمي إلى تفسير الأشياء في ضوء تصورها التاريخي. أي أننا لا نستطيع أن نحكم على الأفكار والحوادث إلا بالنسبة إلى قيمتها الذاتية لا غير. لأننا إذا نظرنا إليها من الناحية الذاتية فقط ربما وجدناها خاطئة أو شاذة ولكننا إذا نسبناها إلى الوسط التاريخي الذي ظهرت فيه وجدناها طبيعية وضرورية.
        ويذهب البعض إلى تفسير قريب من هذا، فالتاريخية هو - باتجاه عام- يرمي في تفسير الأحداث إلى إعطاء الأسبقية للأسباب التاريخية، ثم هو -  بوجه خاص -  اتجاه يقول بأن الحقيقة خاضعة لسير التاريخ، بمعنى أنها في نسقها الاجتماعي ليست سوى ظواهر تاريخية وأن ( التنبؤ ) عن مستقبل الإنسان هو من علم الاجتماع. يؤيد الماركسية أن التشريع واللغة والأخلاق...إلخ نتاج جماعي لا شعوري ولا إرادي، لذا لا تفهمه إلا بواسطة دراسته دراسة تاريخية.
معنى هذا أن البحث في الظواهر الاجتماعية من حيث نشوئها وتطورها لا يتم إلا في ضوء الظروف التاريخية.
        والجدل الديالكتيكي الماركسي الذي يعتبر الظاهرات من زاوية تربط بها الداخلي وتتفاعل مع بعضها البعض، ولا توجد بالعالم أحداث منفردة، وكل حدث يرتبط بأحداث أخرى. هذا الترابط يحدث تاريخياً وفي ضوء الظروف التاريخية.
       وتصعد هذه النزعة عند فولتير و فيكو، وتقابل المذهب الطبيعي الذي يرد الأحداث والظواهر الفردية والاجتماعية إلى أسباب خاصة بها وفي النزعة التاريخية علو وتحكم لا يقره بقوة البحث العلمي.فالماضي يعتمد على فهم الحاضر، ولكن من العبث أن يرد الحاضر إلى الماضي وحده.

الدراسة الموضوعية للتاريخ Objective Empiricism

مسألة: يلزم على من يريد معرفة فلسفة التاريخ، أن يدرس التأريخ بتجرد وموضوعية، وأن يفهم الخصوصيات والمزايا للأحداث والوقائع، فمن يعمل ذلك، سيعرف أن كثيراً من المكتشفات الحديثة لم تكن حديثة كالطائرة، واكتشاف القارّة الأمريكية، واكتشاف الدورة الدموية بل واكتشاف آلات الطابعة، وما أشبه ذلك، قد تحقّق وجودها بفضل سبغ غور التاريخ، إنّ هذه الأمور اكتشفت قبل ذلك ولعلّها بقرون، فإنّ الدورة الدموية ـ مثلاً ـ مذكورة في كلام الإمام الصادق (ع)، الذّي ألقاه على المفضّل، والذي أملاه عليه في كتاب (توحيد المفضّل) ، وهكذا كان اكتشاف القارّة الأمريكية على يد بحّار مسلم اسمه أحمد.. إلى غير ذلك ممّا لسنا بصدد ذكره الآن.
وعلى أيّ حال: فليست فلسفة التاريخ إلاّ مثل سائر الأشياء الوجودية بحاجة إلى واقعية في الفلسفة، واستقامة في أهلية المؤرّخ، وإلاّ كانت النتيجة خطأً سواء في تخطئة أحدهما، أو في تخطئة كليهما.
والحاصل: أنّه من أراد الوصول إلى الحريم التاريخي، والفلسفة العامّة في قضايا مختلفة، ليستفيد منها الروح العامّة السارية في التاريخ حاضراً ومستقبلاً بل وماضياً، عليه أن يحشر موضوعات كثيرة من التفاصيل التاريخية المشابهة، مثل الحروب المتعدّدة، أو الدول المتعدّدة، أو القضايا الاقتصادية المتعدّدة، أو ما أشبه ذلك؛ حتّى يحصل الاستقراء التام، أو الاستقراء الناقص المفيد ولو للظنّ، ممّا يمكن تشكيل القياس المنطقي منها صغرى وكبرى، بالإضافة إلى حصر الوقائع المراد دراستها من حيث الزمان، والمكان، والخصوصيات والمزايا، حتّى يستطيع الباحث أن يستوفي دراستها، ويصل إلى النتيجة المطلوبة السارية في جميعها، متسلحاً بالروح النقلية التي تستند إلى الوثائق والمستندات زيادة ونقيصة، وقوّة، وبعثاً، وإلاّ لم يصل إلى النتائج المطلوبة الموثوق بها بل يكون منتهى الأمر نقصاناً، أو ظنّاً لا يفيد علماً ولا عملاً.
هذا مع الفرق التامّ بين الجانب الشخصي والجانب الاجتماعي، والاهتمام بالجانب الحضاري. إذ لا تفهم روح التاريخ من دراسة التاريخ، أو الشخصيات، أو أعمالهم، أو حروبهم، أو اقتصادياتهم، أو ما أشبه ذلك، بدون النقد، والفحص، والبحث، والتدقيق، والمناقشة، والمعادلة والتراجيح، وما أشبه ذلك.
وتدقيق النظر في زمان ومكان الحدث، وسائر جوانبه، كثيراً ما يصل بالإنسان إلى صحّة الواقعة أو بطلانها، وزيادتها أو نقيصتها، وقد ورد في التاريخ أن بعضاً من اليهود في منطقة ما عرضوا على أحد الخلفاء العباسيين وثيقة بخط الإمام علي بن أبي طالب (ع) بإملاء رسول الله (ص) وبشهادة نفرين من الأصحاب، أنّ الرسول رفع الجزية عن هؤلاء أبداً، وتحيّر الخليفة في ذلك وأحضر العلماء، وبعد التدقيق، تبيّن أن الوثيقة ملفَّقةٌ، وأنّ الشاهدين أحدهما لم يكن مسلماً حين كتابة الوثيقة، والثاني لم يكن مولوداً، ولذلك أبطلت الوثيقة، وأجرى الخليفة الجزيّة عليهم، كما كان يأخذها من سائر اليهود.
ولا يخفى أنّ الجزية في الإسلام لغير المسلم سواء كانوا أهل كتاب أو غير أهل كتاب كما نراه في الفقه، بأنّ غير أهل الكتاب أيضاً تؤخذ منهم الجزية، والجزية هي في مقابل حماية الدولة لهم، فالمسلم تؤخذ منه الزكاة والخمس، وغير المسلم تؤخذ منه الجزية.
ومن الملاحظ في التاريخ الإسلامي الطويل، وفي عرض الإسلام وطوله في البلاد أن غير أهل الكتاب أيضاً كانوا يعايشون المسلمين على طول التاريخ، وحتّى إنّ نهج البلاغة تضمن بعض الرسائل الدالّة على أنّ بعض القرى التي جعل عليها الإمام والياً مسلماً، كانوا مشركين.
وعلى أيّ حال: فاللازم ملاحظة أصالة الوثيقة وخلوّها من الأخطاء، والتزوير، والزيادة والنقيصة، وصحّة نسبة الوثيقة إلى مؤلّفها، والنقد الداخلي السلبي عليها، حيث يتبيّن الباحث من درجة دقّة الراوي في الرواية، والنقد الداخلي الإيجابي، حيث تفسير مضمون الوثيقة خصوصاً إذا كان كاتبها يلجأ إلى الغموض والرمز، ومقارنة هذه الوثيقة بالوثائق الأخرى هل بينهما تساوٍ، أو تباين، أو عموم مطلق، أو عموم من وجه.

نسبية التاريخHistorical Relativism  

من المؤكد أن الأحداث التاريخية هي حقائق لا يمكن أبدا إنكارها أو القول بعكسها ، وعلى سبيل المثال فان التاريخ يقول أن الرئيس السادات قد تولى رئاسة مصر في فترة من الفترات ، وان الرئيس مبارك تولى رئاسة مصر بعد وفاة الرئيس السادات ، فمثل هذه الأحداث التاريخية هي حقائق مطلقة ولا تشوبها أدني نسبية فيها.
ولكن تفسير الأحداث التاريخية والظروف التي حدثت فيها هذه الأحداث يمكن القول عنها أنها نسبية وتختلف من مفسر أو مؤرخ إلى آخر .
وعلى سبيل المثال فان أحداث ثورة يوليو 1952 ــ أو الانقلاب العسكري ــ هي أحداث حقيقة وقعت بالفعل ، وترتب عليها نتائج تاريخية ومنها تحويل البلاد من الملكية إلى الجمهورية.
ولكن الظروف التي عاصرت أحداث هذه الثورة أو ذلك الانقلاب العسكري ، وكذلك التفسيرات التي يمكن أن تقال بشأنها ، قد تختلف من شخص إلي آخر ، حيث رأينا انه بنجاح هذه الأحداث أصبح قادتها مسئولين عن إدارة الحكم في البلاد وأصبحوا ، وتغيرت المناهج التعليمية لتؤكد فضل هذه الأحداث وشجاعة وبطولة ووطنية رجال الثورة .
هذا التفسير للتاريخ كان يمكن أن يكون غير ذلك لو كانت الثورة قد باءت بالفشل وتم القبض على قادتها ، وتم محاكمتهم وربما إعدامهم ، حيث كان السلطات حينئذ ستتهم زعماء الثورة بالخيانة ومحاولة قلب نظام الحكم وستعتبرهم أعداء السلطة والشعب ، وكانوا سيدرسون ذلك في المناهج التعليمية وربما كنا حتى وقتنا هذا على يقين كبير بأن زعماء الثورة خائنون للبلاد وأنهم كانوا يريدون اغتصاب الحكم بالقوة دون وجه .
وما يقال عن ثورة أو انقلاب يوليو 1952 ، ربما ينطبق على كافة الأحداث التاريخية في كل زمان ومكان
إذن فليس التفسير للتاريخ يكون دائما وأبدا على صواب ، وإنما هو تفسير نسبى يختلف حسب الظروف التي تصاحب الحدث التاريخي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقك هنا