لذاك اليوم نكهة خاصة، ليس لأنه اليوم الذي تجولت فيه كل نواحي القدس، إنه اليوم الذي تعرفت فيه على "عيلبون". كانت الأنوار تملأ القدس ليلا خلال مهرجان يحوّط القدس في كل مكان. انتبهت إلى أن صديقي وأنا ما عدنا نتمشى كما كنا في السابق. أخذنا ننسق مع ثالث (كل ما كثرنا أحلى) لجولة في القدس.
قبل الجولة بيوم...
تمشينا نحن الثلاثة نحو التمثال الأبيض شمالا. كنت قد حصلت على منشور فعاليات المركز الفرنسي بالقدس لشهر حزيران. لطالما أحببت هذه النشاطات الثقافية. كان من ضمن فعاليات المركز عرض فيلم أبناء عيلبون في المكتبة العليمة بشارع صلاح الدين. اتفقنا الثلاث أن يكون الفيلم أول نقطة في برنامجنا الترفيهي. ومن ثم رجع كل منا إلى حيث يقطن.
جاء اليوم الموعود، وأخذنا نتفق على مكان اللقاء على هواتفنا المحمولة. الطرف الثالث يعتذر. إن اختلاق أسباب لعدم المجيء يؤلم، خاصة لو كان من الناس كثيري التأفف. تجمعنا أنا وميلاد وانطلقنا من باب العامود نحو المكتبة العلمية. وأمام بابها أيقنا أن العرض يبدأ بعد نصف ساعة. أخذنا نتجول في الشوارع القريبة من المركز إلى أن طابقت الساعة السادسة مساءً. دخلنا إلى المكتبة، نزلنا درجات قبوها المليء بالكتب العربية على عكس مدخلها.
بدأ الحضور بالتجمع في القبو بانتظار عرض الفيلم. كان أغلبهم من الأجانب. وبدأنا أنا وميلاد نتجاذب أطراف الحديث.قرأت هذا الكتاب وأريد أن أقرأ هذا. يذكرني ميلاد بأيام مكتبة المدرسة. أستدير يمينا فأجد دكتور الفلسفة التاريخية في جامعتي، إنه لفخر لي أن يجمعنا أنا وهو مكان آخر غير الجامعة. شعرت بالثقة المطلقة، وسلمت عليه. نادى منادٍ بالتحضير لعرض الفيلم على شاشة تلفاز LCD. دخل مخرج الفيلم، المهندس هشام زريق، وبدأ بالحديث عن الفيلم القصير الذي هو مقدمة للجزء الثاني منه. وكل هذا باللغة الإنجليزية (لا مشكلة).
أَطفِئت الأنوار، وبدأ العرض...
عيلبون، قصة جميلة مؤلمة. كيف تجتمع الكلمتان؟ نعم فعيلبون جميلة وقصتها مؤلمة. بدأت الأحداث بتجمع أهل عيلبون في كنيستها لاقتراب اليهود كثيرا من عيلبون. شعرت بالغضب العارم عندما بدأ الفيلم بعرض حدث عصيب. اليهود يقتلون ثلاث تلو ثلاث، وكل مجموعة في طرف من عيلبون. وكأنهم قصدوا أن ينشروا الدماء في كل عيلبون. أما قصة الدراهم الموجودة في جيب الشهيد فله مقال آخر.
هُجِر أهل عيلبون. نساء أطفال وشيوخ وما بقي من رجال وشباب أو حتى صبيان. واستمرت معاناتهم في الجبال القريبة التي قطنوها آملين العودة في الأيام القليلة القريبة. لبنان المحطة التالية لهم. وعيلبون أخيرا. عاد جزء منهم على خلفية دولية ليس لها سابقة. وعاشوا على طعام لا يذكر بعد نهب اليهود لخيرات بيوتهم. شيعوا جثمان الشهداء. وازدادت أحداث الفيلم مأساوية. بكى رواة الفيلم الشاهدين لكارثة عيلبون. لا استغرب إن بكى أحد المشاهدين فقد كتمت الدموع إلى أن انتهى عرض الفيلم.
مناقشة أحداث الفيلم مع الحضور كان أمرا جميلا. أفكار جديدة أُضيفت. خرجت وميلاد بعد هذه المناقشة وكلنا يأس. فكيف تسير الحياة بظلم إلى هذه الدرجة. وتجولنا في أزقة القدس وبالنا مشغول بعيلبون وبأبنائها وبالجزء الثاني للفيلم.
أجزاء من الفيلم...